مأدبا

مأدبا

 

دعني  أعاني  من  هـوى  الأوطــانِ

فالقلبُ قلبي والعنى عنواني

 

في غربـةٍ  الكـلّ فيهـا يشتكي

بُعدَ الديار وكثرةَ النسيانِ

 

إن كان غيري قد نسـته ديـارُهُ

ما كان ظنّي مأدبا تنساني

 

و أغـيـب   أعـوامـاً   بدونِ   تعـذّر

فأزورها وبلهفةٍ تلقاني

 

وكأنـهـا   أمٌ    حـنــونٌ   تلـتـقـي

إبناً طواه البوحُ بالعرفانِ

 

فأخِرُّ  في  أرضـي  أقبـلُ  كفَّــها

متعذراً من لوعة الهجرانِ

 

فتقول لي انهض كفاكَ  تعذراً

إني  هويتكَ  مثلما  تهواني

 

يا أمُّ   إني   في   وصــالِكِ   مُـقترٌ

ولعلَّ حظي و الشقى أعماني

 

فليشهد التاريخُ  ما في مهجتي

عِشقٌ لسلطٍ  أو  هوى عمّانِ

 

هم  جنتان  لكل  مَنْ  سـكنوهما

وأنا ربطت بمادبا أعناني

 

فالقلبُ   أنتِ   و كلّـنا  أطرافكِ

ماعينُ تشهدُ مع ثرى ذيبانِ

 

وسلي  مُشَقَّرُ  هل تدينُ لغيركِ

إلا كما دانت رُبا حسبانِ

 

والعالُ تطربُ  من  غِناءِ  جُرينَةِ

والروضُ يزهو من شذى البستانِ

 

هذي قرانا في حماكِ   تعايشت

واستبشرت بتعايش الأديانِ

 

ابناءُ ها تجد الشجاعةَ وشمَهم

في مسلمٍ قابلت أم نصراني

 

فالكلُ  إخوانٌ  لهم  في  ظلّها

مجدٌ  يثيرُ  حفيظةَ  العدوانِ

 

ما همّهم  أنّ الزمانَ مشى بهم

في رحلة النسيانِ والأشجانِ

 

إن كان غيري قد نساكِ  فويحه

يكفيكِ  أنّك  صفوة  الرحمنِ

 

فقد  اصطفاكِ  لعبدهِ  ونبيهِ

موسى  أتاكِ  بصادقِ  الإيمانِ

 

فمشى العزيزُ  إلى المنيةِ مسرعاً

ما رابهُ  إطلالةُ  الأكفانِ

 

فلعـلـّه  إذ   جـاء  "نيبـو"   مسـلماً

يلقي سلاماً في بني كنعانِ

 

وقد  اصطفـاكِ   لعبـدهِ   و نبيهِ

يحيى فمات ضحيّة العصيانِ

 

إذ  قدّمـوا  الرأس  العزيز   هديّةً

في مجلس الإشراكِ  والأمجانِ

 

سالت دموع الخلقِ  تبكي  زاهداً

وجرت دموع الحزنِ كالوديانِ

 

يـا   أمُّ     هــذا    للـنـبــيِّ   مـقــدَّرٌ

في علمِ حقٍ من قديمِ زمانِ

 

لا تندبي قتلَ الرجالِ وتبكهم

إن الذي أبكاكِ  قد  أبكاني

 

فالموتُ  حـقٌ  و النبيُ  مبشّرٌ

بمقامِ صدقٍ في فسيح جنانِ

 

هل أنتِ  إلا  قريةٌ  قد  قدّست

وتشرّفت من غابر الأزمانِ

 

فالقدسُ في غرب البلاد وأرضكِ

باتت لنا في الشرقِ قدساً ثاني

 

فاستبشري ودعي البكاءَ لأهله

يا أمُّ إنّ البعد قد أضناني

 

أوَتسمحينَ لعاشقٍ في غربةٍ

يبدي كثيرَ الشوقِ والتحنانِ

 

أوَتسمحينَ ليَ التغني والهوى

حتى يصيرَ القربُ في إمكاني

 

فغداً تريني كالطيورِ مسافرٌ

إن كان ربّي يومها أحياني

 

ويسوقني شوقي و أحسبُ أنّه

ما قد عناني حينما أعناني

 

فأعود  للأرض  العزيزة حاملاً

قلبي على كفّي عسى تلقاني

 

فالبعد عنها محنةٌ و مصيبةٌ

و تساؤلي عن دربها أعياني

 

هل للـورود سـعادةٌ و نضـارةٌ

إلا بقرب الساق والأغصانِ

 

 

عمر مطر

تشارلستون – الولايات المتحدة